مقالات
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن فلسفة السيرة النبوية

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن فلسفة السيرة النبوية
بقلم / المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي ,
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه إن المسلمين الان يعرفون عن السيرة قشورا خفيفة، لا تحرّك القلوب، ولا تستثير الهمم، وهم يعظّمون النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته عن تقليد موروث ومعرفة قليلة .
ويكتفون من هذا التعظيم بإجلال اللسان، أو بما قلّت مؤنته من عمل.
ومعرفة السيرة على هذا النحو التافه تساوي الجهل بها.
إنه من الظلم للحقيقة الكبيرة أن تتحول إلى أسطورة خارقة، ومن الظلم لفترة نابضة بالحياة والقوة أن تعرض في أكفان الموتى.
إن حياة محمد صلى الله عليه وسلم ليست- بالنسبة للمسلم- مسلاة شخص فارغ، أو دراسة ناقد محايد، كلا كلا؛ إنها مصدر الأسوة الحسنة التي يقتفيها، ومنبع الشريعة العظيمة التي يدين بها، فأيّ حيف في عرض هذه السيرة، وأي خلط في سرد أحداثها إساءة بالغة إلى حقيقة الإيمان نفسه.
إنني أكتب في السيرة كما يكتب جنديّ عن قائده، أو تابع عن سيده، أو تلميذ عن أستاذه، ولست- كما قلت- مؤرّخا محايدا مبتوت الصلة بمن يكتب عنه.
ثم إنني أكتب وأمام عينيّ مناظر قاتمة من تأخّر المسلمين العاطفيّ والفكريّ؛ فلا عجب إذا قصصت وقائع السيرة بأسلوب يومئ من قرب أو من بعد إلى حاضرنا المؤسف، كلما أوردت قصة جعلتها تحمل في طياتها شحنة من صدق العاطفة، وسلامة الفكر، وجلال العمل، كي أعالج هذا التأخر المثير.
ومحمد صلى الله عليه وسلم ليس قصة تتلى في ميلاده كما يفعل الناس الان، ولا التنويه به يكون في الصلوات المخترعة التي قد تضمّ إلى ألفاظ الأذان، ولا إكنان حبّه يكون بتأليف مدائح له أو صياغة نعوت مستغربة يتلوها العاشقون، ويتأوّهون أو لا يتأوهون!.
فرباط المسلم برسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أقوى وأعمق من هذه الروابط الملفقة المكذوبة على الدين، وما جنح المسلمون إلى هذه التعابير- في الإبانة عن تعلقهم بنبيّهم- إلا يوم أن تركوا اللباب المليء وأعياهم حمله، فاكتفوا بالمظاهر والأشكال؛ ولما كانت هذه المظاهر والأشكال محدودة في الإسلام، فقد افتنّوا في اختلاق صور أخرى، ولا عليهم؛ فهي لن تكلفهم جهدا ينكصون عنه، إن الجهد الذي يتطلّب العزمات هو الاستمساك باللباب المهجور، والعودة إلى جوهر الدين ذاته، فبدلا من الاستماع إلى قصة المولد يتلوها صوت رخيم، ينهض المرء إلى تقويم نفسه، وإصلاح شأنه، حتى يكون قريبا من سنن محمد صلى الله عليه وسلم في معاشه ومعاده، وحربه وسلمه، وعلمه وعمله، وعاداته وعباداته….
إنّ المسلم الذي لا يعيش الرسول صلى الله عليه وسلم في ضميره، ولا تتبعه بصيرته في عمله وتفكيره لا يغني عنه أبدا أن يحرك لسانه بألف صلاة في اليوم والليلة.
وأريد هنا أن أنبّه إلى ضرورة الفصل بين الجد والهزل في حياتنا، ولا بأس أن نجعل للهو واللعب وقتا لا يعدوه، وللجد والإنتاج وقتا لا يقصر عنه.
فإذا أراد أحد أن يغنّي أو يستمع إلى غناء فليفعل، أما تحويل الإسلام نفسه إلى غناء؛ فيصبح القران ألحانا عذبة، وتصبح السيرة قصائد وتواشيح، فهذا ما لا مساغ له، وما لا يقبله إلا الصغار الغافلون. وقد تمّ هذا التحوّل على حساب الإسلام، فانسحب الدين من ميدان السلوك والتوجيه إلى ميدان اللهو واللعب، وحقّ فيمن فعلوا ذلك قول الله عز وجلّ: الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا [الأنعام: ٧٠] .
وتحوّل القران إلى تلاوة منغومة فحسب، يستمع إليها عشّاق الطّرب، هو الذي جعل اليهود والنصارى يذيعونه في الافاق، وهم واثقون أنه لن يحيي موتى.
وتحوّل السيرة إلى قصص وقصائد غزل، وصلوات مبهمة؛ جعل الاستماع إليها كذلك ضربا من الخلل النفسي، أو الشذوذ الناشئ- في نظري- من اضطراب الغرائز، وفساد المجتمع.
وخير من هذا كله أن يستمع طلاب الغناء إلى اللهو المجرد، والألحان الطروب، فإذا ابتغوا العمل الجادّ المهيب طلبوه من مصادره المصفّاة: قرانا يأمر وينهى ليفعل أمره ويترك نهيه، وسنّة تفصّل وتوضح ليسار في هديها وينتفع من حكمتها، وسيرة تنفح روادها بالأدب الزكيّ والقواعد الحصيفة، والسياسة الراشدة.
