مقالات
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الزهد من الشمائل والصفات المحمدية
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الزهد من الشمائل والصفات المحمدية
بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن من أكبر الأدلة على صدق نبوة الرسول – صلى الله عليه وسلم – هو شخصية الرسول نفسه، وما تحلى به مِن مكارم الأخلاق، وحسن الخِصال، وجميل الخلال، حيث بلغ النبي – صلى الله عليه وسلم – درجةً من الكمال البشَري في حسن الصفات والأخلاق لا يُمكن أن تكون إلا لنبي مرسل من عند الله، فقد بلغ اعتناؤه بالخُلق درجة تعليل رسالته وبعثته بتقويم الأخلاق وإشاعة مكارمها، والعمل على إصلاح ما أفسدته الجاهلية منها، فقد جاء في الحديث الشريف عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق))[1].
وجعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أكثر المسلمين ظفرًا بحبِّه والقرب منه مجلسًا يوم القيامة، هم الذين حَسُنت أخلاقهم حتى صاروا فيها أحسن من غيرهم.
ففي الحديث الشريف عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنه سمع النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((ألا أخبركم بأحبِّكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة؟))، فسكَت القوم، فأعادها مرتين أو ثلاثًا، قال القوم: نعم يا رسول الله، قال: ((أحسنكم خلقًا))[2].
ويَكفي في ذلك شهادةُ الله – تعالى – لرسوله الكريم – صلى الله عليه وسلم – بحُسن الخُلق، فقد جاء في القرآن الكريم في وصف النبي قول الله تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
وصدق القائل إذ يقول في وصفه – صلى الله عليه وسلم -:
يا من له الأخلاقُ ما تهوى العلا
منه وما يتعشق الكبراءُ
لو لم تقم دينًا لقامتْ وحدها
دينًا تضيء بنوره الآلاءُ
زانتْك في الخلق العظيم شمائلٌ
يُغرى بهنَّ ويولَع الكرماءُ
ولله درُّ القائل:
بلغ العلا بكمالِه
كشف الدجى بجمالِه
حَسُنت جميعُ خصالِه
صلوا عليه وآلِه
والحديث عن أخلاق النبي – صلى الله عليه وسلم – وشمائله وخصاله الجليلة يطول جدًّا ويحتاج لمصنفات مستقلة[3]، لكننا سنُحاول إيجازه واختصاره فيما يلي:
الزهد:
عاش نبي الرحمة محمد – صلى الله عليه وسلم – زاهدًا في شهوات الدنيا وملذَّاتها، مُترفِّعًا عن المتاع الدنيوي الزائل، مُعلمًا الناس كيف يكون أكبر همِّهم الآخرة.
فعن عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((ما لي وما للدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظلَّ تحت شجرة ثم راح وتركها))[4].
وعن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يقول: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))[5].
وكان عيش النبي – صلى الله عليه وسلم – شاهدًا على زهده في هذه الدنيا:
• فقد دخل عليه عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يومًا، فإذا هو مُضطجِع على رمالٍ وحصيرٍ ليس بينه وبينه فراش، وقد أثَّر في جنبِه.
قال عمر: فرفعتُ بصري في بيته، فوالله ما رأيت فيه شيئًا يردُّ البصر، فقلت: ادع الله فليوسِّع على أمَّتك؛ فإن فارس والروم وُسِّع عليهم وأُعطوا الدنيا وهم لا يَعبدون الله، فقال: ((أوَفي شك أنت يا بن الخطاب؟! أولئك قوم عُجِّلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا))[6].
وقال النعمان بن بشير: “لقد رأيت نبيكم – صلى الله عليه وسلم – وما يجد من الدقل – وهو التمر الرديء – ما يملأ به بطنه”[7].
وعن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: “إن كنا لنَنظر إلى الهلال ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرَين، وما أُوقدتْ في أبيات رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نار، فقيل: ما كان يُعيِّشكم؟ قالت: الأسودان؛ التمر والماء”[8].
أي كانوا في بيت النبي – صلى الله عليه وسلم – يَمكثُون لمدة شهرَين لا يَطبخون فيهما أي شيء، وكانوا يعيشون على التمر والماء فقط.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: “خرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الدنيا، ولم يشبَع من خبز الشعير”[9].
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: “ما أعلم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – رأى رغيفًا مرقَّقًا حتى لحق بالله، ولا رأى شاة سميطًا بعينه قط”[10].
والشاة السميط؛ أي: الصغيرة السنِّ الطرية اللحم التي تُشوى بجلدها بعد إزالة شَعرها بالماء الساخن، وهذا يُعدُّ من فعل المترفين المرفَّهين.
وعن أنس – رضي الله عنه – قال: “لم يأكل النبي – صلى الله عليه وسلم – على خوان حتى مات، وما أكل خبزًا مرقَّقًا حتى مات”[11]، والخوان هو ما يؤكل عليه كالمائدة والسُّفرة.
وقال عتبة بن غزوان – رضي الله عنه -: “لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما طعامنا إلا ورق الحُبلة حتى قرحت أشداقنا”[12]، والحُبلة: شجر له شوك.
وعن أنس بن مالك أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم يَجتمع له غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضَفَف[13].
ومعنى ذلك أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ما كان يَجتمع لديه طعام كثير في أي زمن من الأزمان، ولا كان يَشبع من الطعام قط، إلا إذا اجتمع عنده ضيوف، فكان – صلى الله عليه وسلم – يتكلَّف إحضار الطعام لضيوفه ويأكل معهم للمؤانسة وحسن الاستضافة، وهذا من كرمه وحسن خُلُقِه – صلى الله عليه وسلم.
وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: “إنما كان فِراش رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذي ينام عليه أدمًا حشوه ليف”[14]، والأدم هو الجلد.
وعن عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: “نام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على حصير فقام وقد أثَّر في جنبه”[15].
وعن أبي بردة قال: “أخرَجت إلينا عائشة – رضي الله عنها – إزارًا غليظًا وكساء مُلبدًا فقالت: في هذا قُبض – أي مات – رسول الله – صلى الله عليه وسلم”[16]، والإزار الغليظ؛ أي: السميك الخَشِن، والكساء الملبَّد؛ أي: المرقَّع.
وإن كانت تلك حياة النبي – صلى الله عليه وسلم – وذلك هو عيشه، فإنه لم يَترك بعد موته شيئًا من المال لأهله، فقد مات – صلى الله عليه وسلم – على ما عاش عليه.
فعن عمرو بن الحارث قال: “ما ترك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عند موته درهمًا ولا دينارًا، ولا عبدًا ولا أمَةً، ولا شيئًا، إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضًا جعلها صدقة”[17].
وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: “توفي النبي – صلى الله عليه وسلم – ودرعه مرهونة بعشرين صاعًا من طعام أخذه لأهله”[18].
وعن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – قالت: “توفي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رفٍّ لي”[19].
وأنبِّه هنا إلى أن هذا الزهد وضيق العيش لم يكن موقفًا اضطراريًّا من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بل كان هذا اختياره؛ فقد جاء جبريل إلى نبي الرحمة محمد – صلى الله عليه وسلم – فقال: “يا محمد، أرسلني إليك ربُّك؛ قال: أملِكًا أجعلك أم عبدًا رسولاً؟”، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((بل عبدًا رسولاً))[20].
فرفض النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يعيش كالملوك، واختار أن يكون عبدًا رسولاً.
وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يدعو فيقول: ((اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا))[21]، وفي رواية: ((كفافًا)).
قال الإمام النووي: “قال أهل اللغة والعربية: “القوت: ما يسدُّ الرمق، وفي الحديث فضيلة التقلُّل من الدنيا، والاقتصار على القوت منها والدعاء بذلك”[22].
وقال القرطبي: “أي ما يَقوتهم ويَكفيهم بحيث لا يشوشهم الجهد، ولا تُرهقهم الفاقة، ولا تذلُّهم المسألة والحاجة، ولا يكون في ذلك أيضًا فضول يخرج إلى الترف والتبسُّط في الدنيا والركون إليها”[23].
وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا جاءه طعام، سارع بدعوة الناس له ليأكلوا منه، وإذا جاءه مال، لا يدَّخر شيئًا منه، بل يُنفقه كله في سبيل الله؛ فعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((ما يسرني أن عندي مثل أُحُد هذا ذهبًا، تمضي عليَّ ثالثة وعندي منه دينار، إلا شيئًا أرصده لدين))[24].
والمعنى أن النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا امتلك ذهبًا بمقدار جبل أُحُد، فسوف يُنفق كل هذا الذهب في التصدق على الفقراء، ولن يُبقي منه دينارًا واحدًا بعد ثلاث ليالٍ، إلا شيئًا يتركه لوفاء الديون.
________________________________________
[1] أخرجه أحمد (8595) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – وسنده صحيح؛ قال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وصحَّح العجلوني سنده في كشف الخفا، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2349).
[2] أحمد (6447) وسنده صحيح؛ قال الهيثمي: إسناده جيد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2650).
[3] من الكتب التي صُنِّفت في ذلك: كتاب الشمائل المحمدية للترمذي، وشمائل الرسول للحافظ ابن كثير.
[4] أحمد (2535)، والترمذي (2299)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
[5] البخاري (5937).
[6] البخاري (2288) مسلم (2707).
[7] مسلم (5288).
[8] البخاري (2379)، مسلم (5280).
[9] البخاري (4994).
[10] البخاري (5001).
[11] البخاري (5969).
[12] مسلم (5269).
[13] أحمد (13356)، وصحَّحه ابن كثير، وقال الألباني في مختصر الشمائل حديث رقم (117): هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
[14] البخاري (5975)، مسلم (3883).
[15] أحمد (2535)، والترمذي (2299) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
[16] البخاري (2534).
[17] البخاري (2877)، مسلم (3880).
[18] الترمذي (1135)، وقال: حسن صحيح، وهو في البخاري (2700) عن عائشة – رضي الله عنها.
[19] البخاري (2866)، مسلم (5281) وشَطر شَعير؛ أي: شيء من الشعير.
[20] أحمد (6863)، وصححه أحمد شاكر، وقال الألباني في الصحيحة (1002): إسناده صحيح على شرط مسلم.
[21] البخاري (5979)، ومسلم (5273).
[22] شرح صحيح مسلم للنووي (4: .
[23] شرح السيوطي على صحيح مسلم (3: 137).
[24] البخاري (5963)، ومسلم (137).