إكتشاف تكنولوچيا مصر القديمة. معجزة غير متوقعة

بقلم سلمى يونس

في قلب الصحراء المصرية، وعلى أطراف وادي النيل، حيث تلتقي الحضارة مع الطبيعة، تكشف الحفريات الأثرية عن أسرار جديدة تتعلق بواحدة من أعظم المعجزات الهندسية في التاريخ القديم: هرم زوسر المدرج في سقارة. على الرغم من مرور آلاف السنين، ما زالت تلك الهياكل الحجرية الضخمة تخفي بين طياتها أسرارًا تنتظر من يكتشفها ويكشف عن عبقرية المصريين القدماء.

في حين أن الكثير من الاهتمام الأكاديمي كان منصبًا على كيفية نقل الأحجار الضخمة وبنائها في الأهرامات، تكشف دراسة حديثة نشرتها مجلة “PLOS ONE” عن بعد جديد وغير متوقع من العبقرية الهندسية لدى المصريين القدماء: استخدامهم لنظام هيدروليكي متقدم لرفع الأحجار. هذا الاكتشاف يشير إلى أن العمال في عهد الفرعون زوسر ربما استخدموا آلية رفع هيدروليكية تعتمد على الماء، حيث تم استغلال الماء لرفع أو خفض الأحجار داخل هيكل الهرم. هذا يعد سابقة تاريخية، إذ لم يسبق أن تم توثيق استخدام تقنية مشابهة في العصور القديمة.

ما يميز هذه الدراسة هو توظيفها لتحليل متعدد التخصصات يجمع بين الأدلة الأثرية والجيوتقنية والهيدرولوجية. تكشف الدراسة أن مجمع زوسر في سقارة كان مرتبطًا بنظام مائي معقد يبدأ من تجمعات المياه في المناطق المرتفعة غرب المجمع، مرورًا بسد حجري ضخم (جسر المدير) كان يعمل كمصيدة للرواسب والمياه. هذا النظام كان يهدف إلى توفير مياه نقية تُستخدم لاحقًا في عملية رفع الأحجار داخل الهرم.

الأكثر إثارة في هذه الدراسة هو فكرة أن المهندسين المصريين القدماء ربما استغلوا هذا النظام المائي ليس فقط في البناء، ولكن أيضًا لأغراض روحية ودينية، حيث كانت المياه في الثقافة المصرية القديمة رمزًا للحياة والاستمرارية. هذا الاكتشاف يفتح الباب أمام فهم جديد لكيفية استخدام التكنولوجيا في بناء الهياكل الضخمة في مصر القديمة.

هذه الاكتشافات تقدم لنا لمحة عن عبقرية المصريين القدماء في توظيف الموارد الطبيعية وتطوير تكنولوجيا متقدمة تتجاوز عصرهم. إن اكتشاف استخدام نظام الرفع الهيدروليكي في بناء هرم زوسر يعد نقطة تحول في فهمنا لتاريخ الهندسة القديمة، ويمثل تذكيرًا بأن الحضارات القديمة كانت تمتلك تقنيات متقدمة لا تزال تلهمنا اليوم.