مقالات
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن عبودية القلب

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن عبودية القلب
بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن الله عز وجل شرفنا بالعبودية له، فلا ننقاد لغيره، ولا نصرف شيئاً من أنواع العبادة لأحد سواه، وعبودية الله واجبة على العبد بقلبه وجوارحه، ولكلٍّ منها عبوديةٌ تخصه، قال تعالى: ﴿ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ﴾، قال عدد من المفسرين بأن الظَّاهِر مَا تَعَلَّقَ بِأَعْمَالِ الْجَوَارِحِ، وَالْبَاطِن مَا تَعَلَّقَ بِأَعْمَالِ الْقُلُوبِ.
إن عبودية القلب هي الأصل، وعبودية الجوارح تبعٌ لها، وكثير منا من يغفل عن ذلك، ويقصر عبوديةَ الله على الجوارح.
إن من الأعمال المتفق على وجوبها: الإخلاصُ، والتوكل، والمحبة، والإنابة، والخوف، والرجاء، والتصديق بوعد الله ووعيده، والرضا به ربًّا، وكل ذلك مِن أعمال القلوب.
ويستطيع كل عبد أن يعرف مدى تحقيق قلبه للعبودية لله بعلامات ظاهرة، من تلك العلامات:
أن تعمل الجوارح بما يحب الله وإن خالف هواها، وكلما اختار العبدُ المفضول على الفاضل فذلك دليل على قصورٍ في كمال عبودية قلبه لله، لأن مَن انقاد قلبُه لعبودية ربه، سيقدم محابَّ الله ومحاب رسوله – صلى الله عليه وسلم – على هوى نفسه، فيصدق عليه قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)).
ومن علامات عبودية القلب لله: تعلُّقه بأعمال الخير، وإذا رحل عنها أو رحلت عنه؛ فإن نفسه تهفو إليها، فإذا انقضى شهر رمضان، تاقت نفسه لعودته؛ ليتزود من خيراته، وإذا انتهى من أداء عمرةٍ إذا قلبه يفكر في العودة مرة أخرى، وإذا انتهى من الحج، اختلج في نفسه أن يحج كل عام، وما أن ينتهي من صلاته، إلا وقلبه ينتظر الصلاة التالية، فقلبُه متعلق بعبادة ربه، وقد ذكر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ((وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ)) البخاري، ومسلم. وبين – صلى الله عليه وسلم – فضل انتظار الصلاة بعد الصلاة.
ومن علامات عبودية القلب لله: تمنِّي الخير، والسعي إليه بالأسباب التي تحققه، وتمني منافسةَ الآخرين في أبواب الخير، فإذا علم الله منه الصدق يسَّر له أبواب الخير، وكتب له الأجر بِنيَّته وإن لم يتيسر له، فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رجع من غزوة تبوك، فدنا من المدينة، فقال: ((إن بالمدينة أقوامًا، ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا، إلا كانوا معكم))، قالوا: “يا رسول الله، وهم بالمدينة؟!”، قال: ((وهم بالمدينة؛ حبسهم العذر)) البخاري وقال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴾، وعن سهل بن حنيف – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ)).
فنيَّةُ المؤمن خير من عمله، فبالنية الحسنة وتوطين النفس على فعل الخير عند المقدرة، يحصل للمؤمن من الثواب والأجر ما قد لا يحصل له بعمل الجوارح.
ومن علامات عبودية القلب: الشوقُ إلى لقاء النبي – صلى الله عليه وسلم -، وتمني إدراك شرف صحبته، وتمني صحبة أصحابه – رضي الله عنهم -؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِى يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ)).
ومما تحمله القلوب الصادقة من أعمال صالحة: الهمُّ والحزن والأسى لما يصيب المسلمين من نكبات أو كوارث، أو تسلطٍ للأعداء عليهم، أو حينما يرى عليهم التقصير في حق خالقهم جل وعلا؛ مع بذل الوسع للإصلاح والتقويم، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لاَ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ مُصِيبَةٍ حَتَّى الشَّوْكَةِ إِلاَّ قُصَّ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ أَوْ كُفِّرَ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ))
ومنها أيضا: كراهتها للمنكر، فإنكار المنكر بالقلب فرض عين على كل مسلم، أما تغييره باليد واللسان، فهو من فروض الكفايات عند القدرة، وقد بيَّن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه ليس هناك مرتبة أخرى في إنكار المنكر تلي إنكارَ القلب؛ فعن أبي سعيد – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ))
ومن أعمال القلوب: محبةُ المسلمين، وتمني الخير لهم، وكراهة الشر أن يصيبهم، كما نكره ذلك لأنفسنا، فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ – أَوْ قَالَ لِجَارِهِ – مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)).
ومن أعمال القلوب: تطهيرها من الغلّ، والحقد، والحسد لأحد من المسلمين، فقد امتدح الله الأنصار وأثنى عليهم لمحبتهم المهاجرين، وعدم حقدهم عليهم لما آتاهم الله من فضله وخصهم به من الفضائل والمناقب، وهذا دليل على سلامة صدورهم، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾.
نسأل الله عز وجل أن يصلح قلوبنا، وينورها بنور الإيمان، ويطهرها من كل سوء.
\